مريضٌ بالإيدز ، وموقفٌ مُحْرِجٌ معه !!

وَعدتُ في موضوع سابق أن أذكر لكم بعضَ قصصِ مرضى الإيدز الذين اتصلوا بي ، أو زاروني للاستشارة ، أو القراءة عليهم ..
وقبل أن أذكرَ لكم موقفا من تلك المواقف التي كانت مفاجِئةً لي ، ومحرِجةً في الوقتِ نفسِه ؛ أحببت أن أذكِّرَ ببعض الأمور :
1 / ليس كل من ابْتُلِيَ بهذا المرض هو ممن يعصي الله ..
2 / مرضى الإيدز أكثر مما نتوقع !!
3 / من أسباب انتشار مرض الإيدز : بعضُ المستشفيات !
4 / مريضُ الإيدز هو أيضا مريض نفسيا ؛ بسبب إصابته بالمرض ! ولا يعلم تأثير ذلك إلا الله ..
5 / قد يكون بيننا في عمِلِنا أو في مجتمعنا من هو مصابٌ بهذا المرض ، ولا يُظهِرُ ذلك لأحد ..
وستتضحُ لكم هذه العناصرُ التي ذكرتها جليا في طيَّات حديثي ، وأثناءَ ذِكْرِ تلك المواقف ..

أبدأ بذكر القصة الأولى ؛ بعد الثناء ، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به ، وبعد الدعاء لهم بأن يشفيَهم الله منه ، وبعد الصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله ؛ ؛ فأقول :
منذ ما يقرُبُ من سِتِّ سنوات ؛ اتَّصَلَ بي أحدُهم ، وبصوتٍ ضعيفٍ مرتجفٍ ؛ يسأل : هل أنت أبو الحسن !؟
فأجبته بنعم ..
فقال : أين أجدك ؟ فعندي مشكلة أريد أن أستشيرك فيها .. وأيضا دَلَّنِي عليك الشيخ فلان ، ويوصيك أن تهتم بحالتي قدرَ ما تستطيع ؛ فأنا أكفل عائلتي ، ومريض مرضا مزعجا !أعطيته موعدا .. وكنت جالسا في محل مخصص لاستقبال مثل تلك الحالات ..كما اعتدت ذلك ؛ لمدة ساعة أسبوعيا ..وبينما أنا كذلك ؛ إذا بشابٍّ يدخل عليّ ، ووجهه مضيءٌ بنور الإيمان ، وإن كان لونُ جسدِه يميلُ إلى السواد ، وثيابه رثة قليلا ؛ إلا أنّ أثرَ الطاعة ظاهرٌ على محياه ..وبعد أن سلَّم عليَّ ، وجلس ؛ أخبرَني بالخبر الذي كان وقعُه شبهَ الصاعقة عليَّ !!نعم ؛ صُعقت لأن الذي أمامي يشكو من الإيدز !!لا إله إلا الله .. سمعت كثيرا ، وقرأت كثيرا عن هذا المرض الخطير جدّاً ..والآن : أأنزعج لخوفي عليه ، والمصير الذي ينتظره ؟ أم أنزعج لأنه سلَّم عليّ وصافحَني ؛ وقد يكون لعابه في يده ! أو غير ذلك مما قد ينقل ذلك الفيروس لغيره ؟!!
أخذني عقلي وخيالي وذاكرتي إلى الوراء في عجالة ؛ عندما سمعت بهذا المرض لأول مرة .. وأتذكر الآن ما قرأته عنه ..

ما الإيدز ؟ـ الإيدز : فيروس يهاجم خلايا الجهاز المناعي المسؤولة عن الدفاع عن الجسم ضد أنواع العدوى المختلفة وأنواع معينة من السرطان .. وبالتالي يَفقِدُ الإنسان قدرته على مقاومة الجراثيم المعدية والسرطانات ..
ـ يسمى هذا الفيروس : " فيروس نقص المناعة البشري " Human Immune- deficiency Virus أو - اختصارا - HIV
ـ والاسم العلمي لمرض الإيدز هو : " متلازمة العَوَز المناعي المكتسب " ، أو : " متلازمة نقص المناعة المكتسب" Acquired Immune Deficiency Syndrome أو - اختصارا - : AIDS ـ لا يوجد حتى الآن علاج يشفي هذا المرض ! لذلك ؛ فإن الإصابة به تستمر مدى الحياة !!ـ يمر المريض بفترة حضانة ، وهي المدة الفاصلة بين حدوث العدوى ، وبين ظهور الأعراض المؤكِّدة للمرض ، وهي مدة غير معروفة على وجه الدقة ، إذ يبدو أنها تتراوح بين 6 شهور ، وعدة سنوات ، وتكون في المتوسط سنةً عند الأطفال ، و 5 سنوات في البالغين .ـ بعد 3 - 4 أسابيع من دخول الفيروس للجسم ؛ يعاني% 70-50 من المصابين من بعض الأعراض ؛ مثل : توعك ، خمول ، ألم في الحلق ، اعتلال العقد الليمفاوية ، آلام عضلية ، تعب ، صداع ، ويظهر طَفحٌ بُقعي على الجذع ..ـ تستمر هذه الأعراض لمدة أسبوعين ، أو 3 أسابيع ، ثم تختفي ، ويدخل المريض في طور الكُمُون ..ـ يمتدُّ طورُ الكُمُون من شهور ، إلى عدة سنوات ! يتكاثر خلالها الفيروس ، ويصيب خلايا الجهاز المناعي بشكل كبير جدا !
ـ في المرحلة التالية : تظهر أعراضٌ على شكل تضخم منتشر ، ومستديم في العقد الليمفاوية ، ويدوم 3 أشهر على الأقل ، مع عدم وجود سبب لهذا الاعتلال ..ـ تتطور هذه المرحلة لتشمل المظاهر التالية :
نقص الوزن
فتور وتعبفقد الشهيةإسهالحمىعرق ليليصداعحكةانقطاع الطمثتضخم الطحال

# مرحلة الإيدز :تمثل هذه المرحلة أسوأ مراحل العدوى ، وتظهر العلامات السابقة ؛ ولكن بصورة أشد وضوحا ، مع وجود أمراض انتهازية ، وأورامٍ خبيثة ؛ نتيجة العوز المناعي ..
تظهر الأعراض على 25 % من المرضى بعد مرور 5 سنوات على الإصابة ، وعلى 50% من المرضى بعد 10 سنوات ، وبعضُ المرضى لا تظهر عليهم الأعراضُ أبدًا ! ..
ـ بعضُ العوامل التي تساعد على سرعة ظهور الأعراض :ـ تكرار التعرض للعدوىـ الحملـ الإصابة بأمراض تضعف المناعةـ كيف ظهر مرضُ الإيدز - عافانا الله وإياكم - ومتى ظهر ؟لم تتوصل البحوث والاستقصاءات إلى إجابة قاطعة على هذا السؤال . والعالَم الآن لا ينظر إلى الماضي بقدر ما يتطلع للمستقبل ؛ لكَبح جماح هذا الداء المستشري ! . أما متى ظهر ؛ ففي عام 1981 م سُجِّلت أولُ الحالات في شابٍّ أصيب بمرض رئوي نادر ، ثم تلاه أربعة آخرون ... حتى وصل العدد إلى 200 حالة ، ثم توالت البلاغات في كل أنحاء العالم ..

ـ هل يمكن معرفةُ مريض الإيدز بمظهره الخارجي ؟
لا يمكن معرفة مريض الإيدز بمظهره الخارجي . التحاليل المخبرية ( اختبارات الإيدز ) ، وبعض الأعراض المتلازمة فقط ؛ تؤكد العدوى . وما عدا ذلك فالمريض يبدو في كامل صحته .

ـ كيف ينتقل مرضُ الإيدز ؟من رأفة الله تعالى ورحمته ؛ أنَّ جميعَ طرقِ نقلِ العدوى قابلة للوقاية . ويتمُّ انتقالُ العدوى بهذا الفيروس بالطرق التالية :ـ الطريقة الرئيسية للعدوى هي : الاتصال الجنسي - الطبيعي أو الشاذ - بشخص مصاب .
ـ وجود أمراض جنسية أخرى يُضاعف احتمالات العدوى .ـ تنتقل العدوى كذلك عن طريق نقل الدم ، أو مشتقاته الملوثة بالفيروس .
ـ زراعة الأعضاء (كلية ، كبد ، قلب ) من متبرع مصاب .
ـ استخدام إبَرٍ ، أو أدوات حادة ، أو ثاقبة للجلد ملوثةٍ ؛ مثل : أمواس الحلاقة ، أو أدوات الوشم ، وغيرها .ـ عن طريق الأم إلى الجنين أثناء الحمل ، أو إلى وليدها أثناء ولادته ، أو عن طريق الرضاعة الطبيعية ( بواسطة الثدي ) .
# معلومة مهمة : الإصابة بالإيدز لا تعني بالضرورة أن لدى صاحبه سلوكا منحرفا .. كما أنه لا خوفَ من الاختلاط العادي مع المرضى بالإيدز ؛ سواء في محيط الأسرة والعمل والمدرسة والنادي ، مع ضرورة مراعاة قواعد النظافة العامة . ليس هذا فحسب ؛ بل من الواجب التعامل مع المريض كشخص طبيعي ، ومراعاة الظروف النفسية والاجتماعية التي قد يمر بها ...
اِنتبَهْتُ - بعد طولِ تَذَكُّرٍ - إلى الشابِّ وهو يتابع كلامه ؛ ليقول لي : إن الشيخ فلان أرسلني إليك لأنني والله في حيرة من أمري ! إنني انتظر الموت .. ولكنني أريد الحياة ليس لشغفي بها ؛ فهي والله لا تساوي عندي شيئا ، ولكنني أعيل أطفالا هم أمانة عندي بعد أن توفي والداي ، وليس لهم إلا الله ثم أنا ! ..
ثم .. إذا بعينيه تذرفان الدمع الحار المتصل ...
فحاولت تهدئته وتذكيره برحمة الله ، ووجوب إحسان الظن به سبحانه ...
ثم .. فجأةً ؛ زاد انزعاجي !!!!
أزعجَني حقيقةً - ولا أبرِّئُ نفسي ، ولا أزكِّيها - رؤيةُ دموعِ الشابّ التي نزلت على طاولة مكتبي !!!
أنا بشرٌ ، وخشيت أن تنتقل تلك الفيروسات إلى العامل ، أو إلى غيره من الزوار !صحيح أن الموقف غير منطقي بالعاطفة ، لكنه عقلاني أكثر .. وخشيت عندئذ أن أجرحَ مشاعره .. فكنت في حرج شديد ، وموقفٍ لا أُحسَدُ عليه !
تناولت علبة المناديل ، وقربتها منه ، وغيّرت الموضوع تماما .. وأخذت أسأله عن عمله .. فأجابني بأنه يعمل في عمل بالقرب من بيته ..
ثم قلت في نفسي : هل أسأله عن سبب المرض ؟!احترت ، ولكنني كنت أقصد من سؤالي له : أولا : ليس تطفلا ، وثانيا : فهم كيفية حصوله لتقريب علاجه ، وثالثا : استزادةَ التعرف - عن قرب - على هذا المرض العضال الذي ابتلى الله به العباد ؛ بعد أن شاعت الفاحشة .. وهذا ما ذكره أهلُ العلم : مِن أنّ انتشارَ الفاحشة في قوم ، وإعلانهَم بها ؛ يكون سببا في أن يسلط الله عليهم أمراضا مزعجة لم تكن في أسلافهم .. واستدلوا بهذا الحديث الصحيح :‏ عن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ - رضي الله عنهما - ‏قال :
‏أقبَلَ علينا رسولُ الله -‏ ‏صلى الله عليه وسلم -‏ ‏فقال : " يا معشر المهاجرين :‏ ‏خمسٌ ؛ إذا ابتليتم بهن ، وأعوذُ بالله أن تُدرِكُوهنّ : لم تَظهر الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ حتى يُعلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهم الطاعونُ ، والأوجاعُ التي لم تكن مَضَتْ في أسلافهم الذين مَضَوا ، ولم يَنْقُصُوا المكيالَ والميزانَ ؛ إلا أُخِذُوا بالسِّنِينَ ، وشِدَّةِ الـمُـؤنة ، ‏‏وجَوْرِ ‏السلطان عليهم ، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم ؛ إلا مُنِعُوا ‏ ‏القَطْرَ ‏ ‏من السماء ، ولولا البهائمُ لم ُيـمْطَروا ، ولم يَنقُضوا عهد الله ، وعهد رسوله ؛ إلا سَلَّطَ الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تحَكم أئمَّتُهم بكتاب الله ، ويتخيروا مما أنزل الله ؛ إلا جعل الله بأسَهُم بينهم ‏" !!! .. ( رواه ابن ماجه ، وحسَّنه الألباني - رحمهما الله - ) .
عندئذٍ ؛ سألته عما يتوقعه قد يكون سببا لمرضه ؟ فَردَّ عليَّ ، وهو مستَحْيٍ ؛ فقال : إن السبب معروف ، وهي مسألة بيني وبين الله ، وأستحق هذه العقوبة ، وإني تائب ولله الحمد ، وأسأله أن يتقبَّلني برحمته ، ويعفوَ عن زَلَّتي ..

ثم أرْدَفتُ بهذا السؤال : هل تُعالجَ الآن من هذا المرض ؟

فأجاب قائلا : نعم ، إنني أذهب للمستشفى التخصصي ، وأراجعهم هناك ، إلا أنني لم أستفد ، فلجأت إلى الله ، ثم إلى الإخوة الصالحين ؛ ليشيروا عليَّ ؛ فلعلِّي أجِدُ منفعة عندهم ..
فقلت له : أخي الكريم .. إنه لم يَسبق لي أن عالجتُ أحدا من هذا المرض ، لكنني سأشير عليك بما أراه مناسبا لك ، وفيه أدلةٌ صحيحةٌ من السُّنة النبوية .. ولعل الله أن ينفعك بها ..
وبالفعل .. أعطيته وصفةً ، ودعوت الله تعالى له بأن يشفيَه ، وأن يُعافيَه من مرضه ذاك ، وأن يصبِّرَه ، ويعينَه ، وأن يغفر له ذنبَه ، وأن يتقبلَ منه توبتَه .. ثم انصرف راشدا .. وبعد ذلك لم أره إلى الآن ... وإلى لقاء قريب .. أستودعكم الله ...ــــــــــــــــــــ