هذه قصة الصحابي " غسيل الملائكة "، وهو الصحابي الجليل حنظلة بن أبي عامر
الحياة الدنيا كلها أيام قليلة , ولحظات معدودة , تمضي سريعة لا يشعر المرء بها , وحالها
بالنسبة للآخرة كما قال الله – عز وجل –
( وما الحياة الدنيا في الأخرة إلا متع [26] )
, وقوله
( ذلك متع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب [14] ) , وقوله :
( أرضيتم بالحيوة الدنيا من الأخرة إلا قليل
وقرر سبحانه ذلك فيما حكاه عن ذلك العبد الصالح عندما توجه إلى بالنصح والموعظة ,فقال
: (يقوم إنما الحيوة الدنيا متع وإن الأخرة هي دار القرار [39] ) , وقال سبحانه :
( وما هذه الحيوة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الأخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [64] )
نعم تلك هي الحياة الدنيا في عمومها , إنها ليست إلا لهوًا ولعبًا , حين لا يُنظر فيها إلى الآخرة حين تكون في الغاية العليا للناس . حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة , فأما الحياة الآخرة فهي الحيوان , أي هي الحياة الدائمة ُالتي لا زوال لها ولا انقضاء , بل هي مستمرة أبد الآباد , ولو كان الناس يعلمون ذلك لآثروا ما يبقى على ما يفنى .
والناس في هذه الحياة ما بين شقي ٍّ , قد أشقى نفسه , فاتبع هواه , وانشغل بدنياه , ونسي آخرته وفرط في جنب الله , فيا ليت شعري ما حال هذا في الآخرة ؟ ( ومن أعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى نعم تلك هي الحياة الدنيا في عمومها , إنها ليست إلا لهوًا ولعبًا , حين لا يُنظر فيها إلى الآخرة حين تكون في الغاية العليا للناس . حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة , فأما الحياة الآخرة فهي الحيوان , أي هي الحياة الدائمة ُالتي لا زوال لها ولا انقضاء , بل هي مستمرة أبد الآباد , ولو كان الناس يعلمون ذلك لآثروا ما يبقى على ما يفنى .
والناس في هذه الحياة ما بين شقي ٍّ , قد أشقى نفسه , فاتبع هواه , وانشغل بدنياه , ونسي آخرته وفرط في جنب الله , فيا ليت شعري ما حال هذا في الآخرة ؟ ( ومن أعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
[124] قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا
[125] قال كذالك أتتك ءايتنا فنسيتها وكذالك اليوم تنسى [126]
وكذالك نجزى من أسرف ولم يؤمن يئايت ربه ولعذاب الأخرة أشد وأبقى
[127] ) .
نعم الناس في هذه الحياة ما بين هذا شقي الخاسر , وذلك السعيد المنتصر على هواه , المتبع للحق والنور , لقد استضاء قلبه بطاعة مولاه , واطمأنت نفسه بذكر الله , واستقرت حقيقة الدنيا والآخرةِ في نفسه , وعمرت قلبه , واختلطت بدمه , وجرت في عروقه , ولم تَعُد كلمة يقولها بلسانه فقط , بل صارت عملا ًنفّذه بصموده وتضحياته .
وتلك هي السعادة الحقيقية – يا مسلمون – حياة البذل والتضحية , حياة الجهاد والدعوة , حياة الصبر . الحياةُ التي لا يُرى فيها المسلم إلا صادقاً مخلصًا , وخاشعًا منيبًا , ومناضلاً باسلاً , يؤثر ما عند الله , ولو كان ذلك على حساب فَقد اللذة والمُتعة , ولو كان ذلك كذلك على حساب نزيف الدم , وتعدد الجراح والآلام .
وتلك هي حياة الصحابي الجليل , والشهيد الكبير , حنظلة بن أبي عامر – رضي الله عنه – أبوه أبو عامر , عمرو بنُ صَيفِيّ بن ِزيد بن أمية بن ضُبَيعة , ويقال إن اسم أبي عامر : عبدُ عمرو بنُ صيفي بن زيد بن أمية , وينتهي نسبه إلى عوف بن مالك الأوس بن حارثة الأنصاري الأوسي
ولمّا رأى حنظلة – رضي الله عنه – ما عليه أبوه من الكفر والعناد , آلمه ذلك أشد الألم , فتبرأ من أخلاق أبيه الشائنة , وأفعاله القبيحة , وهمَّ أن يقتله , فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , أخرج ابن شاهين بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه ,قال ( استأذن حنظلة بنُ أبي عامر , وعبد الله بنِ أبيّ سلول في قتل أبويهما , فنهاهما عن ذلك )) .
وقد كان من حال أبيه أبي عامر أنه لما فتحت مكة هرب إلى بلاد الروم , وأقام عند هِرَقْلَ حتى
مات كافرًا سنة تسع , وقيل سنة عشر , وكان معه كنانة بنُ عبدِ يالِيْل , وعلقمة بنُ عُلاثَة , فاختصما في ميراثه إلى هرقل , فدفعه إلى كنانة , وقال لعلقمة : هما من أهل المدر , وأنت من أهل الوبر . تلك هي حال أبي حنظلة . أما حنظلة نفسه فقد رأى الحق , والنور الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك أسلم , فحسُن إسلامه , وأقبل على الله – تعالى – بخشوع وانكسار , وترك حياة الجاهلية , وما فيها من وثنية وضياع , وأنهى قصة الصراع المحتدم في نفسه , يبن فطرته التي تفتحت للحق , ورأت فيه روحها , وأملها , ومصيرها , وطمأنينتها . نعم بين هذه الفطرة , وتلك الجاهلية الصاخبة المتناقضة الهابطة التي تخيم على المجتمع . لقد دخل النور في قلبه , فأضاء له الظلمات . إنها نعمة جديدة , ورضى شامل , ورحمة واسعة , وإنسانية حقة , وحياة كريمة طافحة بالخير . كل ذلك أطيب من فاكهة الجاهلية المحرمة , وألذ من نعيم الضلالة الظالمة . ومن أجل ذ
خلع حنظلة – رضي الله عنه – على عتبة الإسلام كل جاهلية .
ثم تزوج حنظلة , وكانت أول ليلة له . وكان هو نائم مع زوجته يناديه المؤمنون هي إلى الجهاد , ثم لبس لباس الحرب ثم ودع زوجته .
وتهيأ حنظلةُ للمهمة الكبرى , وحفظ اللهُ , - تعالى – به وبأصحابه المِلةَ من أهواء الزائغين , وزحوف المناوئين , وحَفِظَ حنظلةُ اللهَ – تعالى – فحفظه اللهُ , ولجأ إلى الله – تعالى – فأكرمه
وتأتي الساعة الحاسمة , ويخرج المؤمنون إلى لقاء المشركين في أحد , ويُبتلى المؤمنون ابتلاء شديدًا , ويسقط عدد كبير منهم شهداء , وييسر الله – تعالى – أن يكون حنظلة واحدًا من هؤلاء الشهداء , وتحصل له كرامة لن تُنسى مهما طال الزمان .
أخرج ابن إسحاق , والبيهقي , والحاكم في المستدرك , في كتاب معرفة الصحابة عن يحيى بن عبَّاد بنِ عبد الله , عن أبيه عن جده ,- رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول عندما قتل حنظلة بن أبي عامر , بعد أن التقى هو وأبو سفيان بنُ الحارث حين علاه شداد بن الأسود بالسيف , فقتله ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم تغسله الملائكة ) , فسألوا صاحبته , فقالت : (إنه خرج لما سمع الهائعة ,وهو جنب ) , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة ) ,
وهكذا يمضي حنظلة الشهيد إلى الله – عز وجل – مؤثرًا ما عند الله من النعيم المقيم والسعادة الأبدية , وتَرَكَ الزوجة التي لم تدم الصلة بينه وبينها إلا ليلةً واحدة , امتثال واستجابة لأمر الله الذي يقول : (( انفروا خفاقاً وثقالاً وجهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
غسيل الملائكة
ودفين الملائكة رضي الله عنه وارضاه