محب أهل السنة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بك أيها الزائر(ة) الكريم(ة) في المنتدى الإسلامي
"محب اهل السنة"
يشرفنا ان تتسجل في المنتدى ان لم تكن مسجل


قم بزيارة لصفحتنا على الفيسبوك باضغط هنا
محب أهل السنة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بك أيها الزائر(ة) الكريم(ة) في المنتدى الإسلامي
"محب اهل السنة"
يشرفنا ان تتسجل في المنتدى ان لم تكن مسجل


قم بزيارة لصفحتنا على الفيسبوك باضغط هنا
محب أهل السنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محب أهل السنة

انشر الخير بقدر المستطاع واحتسب الاجر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحة محبي اهل السنة
المواضيع الأكثر شعبية
موعظة قصيرة عن الموت
سبب نزول قوله تعلى ( { ‏وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما‏}
كلمات انشودة قلي لماذا لا تصلي
مثل الجنة التي وعد المتقون
انشودة رااااااااائعة عن امنا عائشة رضي الله عنها
الظلم ..ظلمات يوم القيامة
التداوي بالقران ..
أخــــــــي !!
قصيده لعمري كم حويت الناس قلبا
كيف نرقي اطفالنا بطريقه صحيحه
المواضيع الأخيرة
» أحكام النون الساكنة والتنوين
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 04, 2017 8:35 pm من طرف محب اهل السنة

» عندما يموت الحنان خطبة مُبكية ومؤثره للشيخ إبراهيم الدويش بعد وفاة والدته رحمها الله
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأربعاء يناير 04, 2017 8:35 pm من طرف محب اهل السنة

» ضوابط جواز غيبة الفاسق
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 06, 2015 12:36 am من طرف محب اهل السنة

» هل مجاملة الشخص من يكرههم في حديثه من النفاق؟
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 06, 2015 12:35 am من طرف محب اهل السنة

» كليب لبيك - موسى العميرة أبو علي
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 06, 2015 12:34 am من طرف محب اهل السنة

» صفحة؛ مجموعة؛ منتدى :محبي أهل السنة
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالسبت أغسطس 22, 2015 12:31 pm من طرف محب اهل السنة

» كيف ترون المحكمة؟
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالجمعة أغسطس 21, 2015 12:14 am من طرف محب اهل السنة

» اليأس
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد أغسطس 16, 2015 11:33 pm من طرف محب اهل السنة

» العجب (على سنتك نعيش)
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد أغسطس 16, 2015 11:30 pm من طرف محب اهل السنة

» الست من شوال
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد أغسطس 16, 2015 11:28 pm من طرف محب اهل السنة

» مطلوب ادمن لصفحة دينية هادفة
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد أغسطس 16, 2015 9:43 pm من طرف محب اهل السنة

» تعريف الرقية
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد أغسطس 16, 2015 12:38 am من طرف محب اهل السنة

» الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالخميس أغسطس 13, 2015 7:14 pm من طرف محب اهل السنة

» لا بأس بقول: اللهم آمين، أو آمين يا رب
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالخميس أغسطس 13, 2015 6:42 pm من طرف محب اهل السنة

»  هل دعاء القنوت يكون قبل الركوع أم بعده ؟
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد يوليو 05, 2015 6:09 pm من طرف محب اهل السنة

» أعمال العشر الأواخر من رمضان
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأحد يوليو 05, 2015 3:17 pm من طرف محب اهل السنة

» رتبة حديث: يا أحمد! أبغضِ الدنيا وأهلها...
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالجمعة يونيو 26, 2015 3:13 pm من طرف محب اهل السنة

» صدق الله فصدقه الله
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالسبت يونيو 13, 2015 7:13 pm من طرف محب اهل السنة

» كيف نستقبل رمضان؟
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالخميس يونيو 11, 2015 10:49 am من طرف محب اهل السنة

» 30 نصيحة لحفظ القرآن
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالأربعاء يونيو 10, 2015 4:12 pm من طرف محب اهل السنة

اخترنا لكم

إخترنـا لكم


ساهم معنا
ساهم معنا بالاعجاب لصفحة

معنا لنصرة سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (قم بدعوة اصدقائك للاعجاب بهده الصفحة قصد نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالدال على الخير كفاعله) الخير لا يقتصر على الفرائض، بل كل خير يدل عليه المسلم فله مثل أجر الفاعل له وفي مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دلَّ على خير، فله أجر فاعله. رواه مسلم.
هذه هي الصفحة : اضغط هنا
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 41 بتاريخ الإثنين مايو 21, 2018 9:53 pm
افضل الاعضاء لهذا المنتدى

 

 التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محب اهل السنة
مدير المنتدى
مدير المنتدى
محب اهل السنة


الدولة : المغرب
عدد المساهمات : 1202
عدد النقط المحصل عليها : 82372
السٌّمعَة : 8
تاريخ التسجيل : 13/09/2012
الموقع : fb.com/MhbynAhlAlsnt

التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Empty
مُساهمةموضوع: التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء   التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 16, 2013 6:02 pm


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

فهذا بحث فيه تحقيق مسألة سماع الأموات لكلام الأحياء ، عرضت فيه الأدلة ، وأقوال العلماء في المسألة ، اسأل الله بمنه وفضله أن ينفع به كاتبه وقارئه .
وقد جعلته في أربعة مباحث :

المبحث الأول : ذكر الأدلة التي فيها نفي السماع .
المبحث الثاني : ذكر الأدلة التي فيها إثبات السماع .
المبحث الثالث : مذاهب العلماء في المسألة .
المبحث الرابع : الترجيح .

=================

المبحث الأول :
ذكر الأدلة التي فيها نفي السماع :

قال الله تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } [ النمل:80] .
وقال تعالى : { فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } [ الروم:52] .
وقال تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } [فاطر:22] .

المبحث الثاني :
ذكر الأدلة التي فيها إثبات السماع :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه :« أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا . فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا ، وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا (1) ؟ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا . ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ ».(2)

المبحث الثالث :
مذاهب العلماء في المسألة :

ظاهرُ الآياتِ الكريمةِ أنَّ الموتى لا يسمعون كلامَ الأحياء ، وأمَّا الحديث ففيهِ إِثبات السماع لهم، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب **:

الأول : مذهب إثبات السماع مطلقاً للأموات ، وتأويل الآيات التي فيها نفي السماع .

وهذا مذهب الجمهور من العلماء (3) ، حيث ذهبوا إلى إجراء الأحاديث التي فيها إثبات السماع على ظاهرها وعمومها ، وقالوا : إن الميت بعد موته يسمع كلام الأحياء ويشعر بهم .
وهو اختيار جمع من المحققين ، كابن حزم (4) ، والقاضي عياض (5) ، والنووي (6 ) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية (7 ) ، وابن القيم (8 ) ، والحافظ ابن كثير (9 ) .

واختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن الآيات التي فيها نفي السماع على أقوال :

القول الأول :
أن الموتى في الآيات المراد بهم الأحياء من الكفار ،
والمعنى: إنك لا تُسْمِع الكفار الذين أمات الله قلوبهم إسماع هدىً وانتفاع ، « وشُبِّهُوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس ؛ لأنهم إذا سمعوا ما يُتلى عليهم من آيات الله ، فكانوا أقماع القول ، لا تعيه آذانهم ، وكان سماعهم كلا سماع ، كانت حالهم - لانتفاء جدوى السماع - كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ».(10 )
وهذا القول فيه حمل للآيات على المجاز ، وذلك بتشبيه الكفار الأحياء بالموتى .
وقد قال بهذا القول : ابن قتيبة ( 11)، والخطابي ( 12)، والبغوي ( 13)، والزمخشري ( 14)، والسهيلي ( 15)، وأبو العباس القرطبي (16 )، والسمعاني ( 17)، والقاري (18 )، والسيوطي ( 19)، والشنقيطي ، وابن عثيمين ( 20) .
قال الشنقيطي :« اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن أن معنى قولـه:{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، أي لا تسمع الكفار - الذين أمات الله قلوبهم ، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه - إسماع هدىً وانتفاع ؛ لأن الله كتب عليهم الشقاء ، فختم على قلوبهم وعلى سمعهم ، وجعل على قلوبهم الأكنة ، وفي آذانهم الوقر ، وعلى أبصارهم الغشاوة ، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع ».أهـ (21 )
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها (22 ):
الدليل الأول : أنَّ الله تعالى بعد أن نفى السماع عنهم قال: { وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } ، فمقابلته جلَّ وعلا الإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها - لمن يؤمن بآياته - دليلٌ واضح على أنَّ المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء، لا موت مفارقة الروح للبدن، ولو كان المراد بالموت في قوله:{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } مفارقة الروح للبدن لما قابل ذلك بقولـه: { وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ } ، بل لقابله بما يناسبه، كأن يُقال: إن تسمع إلاّ من لم يمت .
الدليل الثاني : أنَّ استقراء القرآن الكريم يدل على أن الغالب استعمال الموتى بمعنى الكفار ، كقولـه تعالى :{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [ الأنعام:36] ، وقد أجمع(23 ) من يعتد به من أهل العلم أن المراد بالموتى في الآية هم الكفار .
وكقولـه تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَل [ الأنعام:122] ، فقولـه :{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا } ، أي : كافراً ؛ فأحييناه ، أي : بالإيمان والهدى ، وهذا لا نزاع فيه بين المفسرين ، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر .
وكقولـه : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ } [فاطر:22] ، أي: لا يستوي المؤمنون والكافرون .
الدليل الثالث : أنَّ قولـه تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، وما في معناها من الآيات ، كلها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يحزنه عدم إيمانهم ، كما بينه تعالى في آيات كثيرة ، كقولـه تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ } [الأنعام:33] ، وقولـه تعالى :{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون َل [الحجر:97] ، وقولـه : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [النحل:127] ، وقولـه : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشعراء:3] إلى غير ذلك من الآيات ، ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم أنزل الله آيات كثيرة تسلية له صلى الله عليه وسلم ، بَيَّنَ له فيها أنه لا قدرة له على هدي من أضله الله ، ومن الآيات النازلة تسلية له صلى الله عليه وسلم ، قولـه هنا : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، أي لا تُسمع من أضله الله إسماع هدى وقبول ، ولو كان معنى الآية وما شابهها: إنك لا تسمع الموتى ، أي: الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم.
واعتُرِضَ : بأن ما ذُكِرَ من معنى آيتي النمل والروم مسلم فيه ، لكن ذلك لا يمنع الاستدلال بهما على نفي سماع الموتى ؛ لأنَّ الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة ، وكان ذلك معروفاً عند المخاطبين شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع ، فدل هذا التشبيه على أن المشبه بهم – وهم الموتى في قبورهم – لا يسمعون ، كما يدل مثلاً تشبيه زيد في الشجاعة بالأسد على أن الأسد شجاع ، بل هو في ذلك أقوى من زيد ، ولذلك شُبِّهَ به ، وإن كان الكلام لم يُسقْ للتحدث عن شجاعة الأسد نفسه ، وإنما عن زيد ، وكذلك آيتا النمل والروم ، وإن كانتا تحدثتا عن الكفار الأحياء وشُبّهوا بموتى القبور ، فذلك لا ينفي أن موتى القبور لا يسمعون ، بل إنَّ كل عربي سليم السليقة ، لا يفهم من تشبيه موتى الأحياء بهؤلاء إلا أن هؤلاء أقوى في عدم السماع منهم ، وإذ الأمر كذلك فموتى القبور لا يسمعون .(24 )
واعتُرِضَ أيضاً: بأنَّ الله تعالى قال في آية أخرى :{ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } [فاطر:22] وهذه الآية صريحة بنفي سماع الأموات، ولا يتأتى حملها على المعنى الذي ذكِرَ .
وأجيب : بأن هذه الآية هي كآيتي النمل و الروم المتقدمتين ، لأن المراد بقولـه: { مَّن فِي الْقُبُورِ } الموتى ، فلا فرق بين قولـه:{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } وبين قولـه: { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } ؛ لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد ، كقولـه تعالى: { وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ } [الحج:7] ، أي يبعث جميع الموتى ، من قُبر منهم ومن لم يُقْبَر ، وقد دلت قرائن قرآنية على أن معنى آية فاطر هذه كمعنى آية الروم ، منها قولـه تعالى قبلها:{ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } [فاطر:] ؛ لأن معناها لا ينفع إنذارك إلا من هداه الله ووفقه ، فصار ممن يخشى ربه بالغيب ويقيم الصلاة ، وما أنت بمسمع من في القبور ، أي الموتى ، أي الكفار الذين سبق لهم الشقاء ، ومنها قولـه تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ } [فاطر:19] ، أي المؤمن والكافر وقولـه تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ } [فاطر:22] أي المؤمنون والكفار ، ومنها قولـه تعالى بعدها : { إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ } [فاطر:23] أي ليس الإضلال والهدى بيدك ، ما أنت إلا نذير وقد بلغت .(25 )

القول الثاني :
أنَّ الموتى في الآيات المراد بهم الذين ماتوا حقيقة ، لكن المراد بالسماع المنفي هو خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع به صاحبه ، وأن هذا مثلٌ ضربه الله للكفار ؛ إذ الكفار يسمعون الحق ، ولكن لا ينتفعون به .
قالوا : وقد يُنفى الشيء لانتفاء فائدته وثمرته ، كما في قولـه تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف:179] . (26 )
وهذا رأي : شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ( 27) ، وابن رجب ( 28) ، والأبي ( 29) ، وذكره ابن جرير الطبري احتمالاً آخر في معنى الآية .
قال الطبري :« معنى الآية : إنك لا تسمع الموتى إسماعاً ينتفعون به؛ لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال ، وخرجوا من دار الأعمال إلى دار الجزاء ، فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان بالله والعمل بطاعته ، فكذلك هؤلاء الذين كتب ربك عليهم أنهم لا يؤمنون لا يُسْمِعُهم دعاؤك إلى الحق إسماعاً ينتفعون به ؛لأن الله تعالى ذكره قد ختم عليهم أن لا يؤمنوا ، كما ختم على أهل القبور من أهل الكفر أنهم لا ينفعهم بعد خروجهم من دار الدنيا إلى مساكنهم من القبور إيمان ولا عمل ؛ لأن الآخرة ليست بدار امتحان ، وإنما هي دار مجازاة ، وكذلك تأويل قولـه تعالى: âإِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } [فاطر:22] ».أهـ (30 )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :« قولـه :{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه ؛ فإن هذا مثل ضُرب للكفار ، والكفار تسمع الصوت ، لكن لا تسمع سماع قبولٍ بفقهٍ واتباع ، كما قال تعالى :{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة:171] ، فهكذا الموتى الذين ضُرب لهم المثل لا يجب أن يُنفى عنهم جميع السماع المعتاد ، أنواعَ السماع ، كما لم يُنْفَ ذلك عن الكفار ; بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به ، وأما سماعٌ آخر فلا يُنفى عنهم ».أهـ (31 )
وهذا القول : دلت عليه آيات من كتاب الله ، جاء فيها التصريح بالبكم والصَّمَم والعمى مُسنداً إلى قوم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ، والمراد بصممهم : صممهم عن سماع ما ينفعهم دون غيره ، فهم يسمعون غيره، وكذلك في البصر والكلام ، وذلك كقولـه تعالى في المنافقين : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة:18] فقد قال فيهم : ( صم بكم ) مع شدة فصاحتهم ، وحلاوة ألسنتهم ، كما صرح به في قولـه تعالى فيهم : { وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } [ المنافقون:4] أي لفصاحتهم ، وقولـه تعالى : { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } [ الأحزاب:19] ، فهؤلاء الذين إن يقولوا تسمع لقولهم ، وإذا ذهب الخوف سلقوا المسلمين بألسِنةٍ حِداد ، هم الذين قال الله فيهم : صم بكم عمي ، وما ذلك إلا أن صممهم وبكمهم وعماهم بالنسبة إلى شيء خاص ، وهو ما يُنتفع به من الحق ، فهذا وحده هو الذي صَمُّوا عنه فلم يسمعوه ، وبكموا عنه فلم ينطقوا به ، وعموا عنه فلم يروه ، مع أنهم يسمعون غيره ويبصرونه وينطقون به ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون } [ الأحقاف:26] .(32 )
واعتُرِضَ هذا القول: بأن فيه قلب للتشبيه المذكور في الآيات ، حيث جُعل المشبه به مشبهاً ؛ لأن القيد المذكور في هذا القول يصدق على موتى الأحياء من الكفار ، فإنهم يسمعون حقيقة ، ولكن لا ينتفعون من سماعهم ، كما هو مشاهد ، فكيف يجوز جعل المشبه بهم - من موتى القبور - مثلهم في أنهم يسمعون ولكنهم لا ينتفعون من سماعهم ، مع أن المشاهد أنهم لا يسمعون مطلقاً ، ولذلك حسن التشبيه المذكور في الآيات ، فبطل القيد الذي ذكره أصحاب هذا القول .(33 )

القول الثالث :
أن معنى الآيات : إنك لا تُسمع الموتى بطاقتك وقدرتك ، ولكن الله تعالى هو الذي يسمعهم إذا شاء ؛ إذ هو القادر على ذلك دون من سواه .
وهذا رأي : ابن التين (34 ) ، والإسماعيلي (35 ) ، وذكره ابن جرير الطبري احتمالاً آخر في معنى الآية (36 ) .
واستدلوا على ذلك بأدلة منها :
الدليل الأول : أن الله تعالى بعد أن نفى السماع قال :{ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ } [ النمل: 81 ] ، فبين أن الهداية من الكفر إلى الإيمان بيده دون من سواه ، فنفيه سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون قادراً أن يُسمع الموتى إلا بمشيئته ، هو كنفيه أن يكون قادراً على هداية الكفار إلا بمشيئته .
الدليل الثاني : أن الله تعالى أثبت لنفسه القدرة على إسماع من شاء من خلقة بقولـه :{ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء } ، ثم نفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم القدرة على ما أثبته وأوجبه لنفسه من ذلك ، فقال له : { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } ولكن الله هو الذي يسمعهم دونك وبيده الإفهام والإرشاد والتوفيق ، وإنما أنت نذير فبلغ ما أرسلت به .(37 )

أدلة القائلين بإثبات السماع مطلقاً للأموات :

استدل القائلون بإثبات السماع مطلقاً للأموات بأدلة منها :

الدليل الأول :

مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين (38 ) ، وهذا الحديث الصحيح أقسم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع لما يقوله صلى الله عليه وسلم من أولئك الموتى بعد ثلاث ، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه تخصيصاً .(39 )
واعتُرِضَ : بأن عائشة رضي الله عنها روت الحديث بلفظ :« إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ » ، وهذا يدل على أن الرواية التي فيها التصريح بالسماع غير محفوظة.
وأجيب : بأن تأول عائشة رضي الله عنها بعض آيات القرآن ، لا تُرد به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه صلى الله عليه وسلم ، ويتأكد ذلك بثلاثة أمور :
الأول : أن رواية العدل لا ترد بالتأويل .
الثاني :أن عائشة رضي الله عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :« إنهم ليسمعون الآن ما أقول » قالت: إن الذي قاله صلى الله عليه وسلم :« إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم هو الحق » فأنكرت السماع ونَفَتْهُ عنهم ، وأثبتت لهم العلم ، ومعلومٌ أنَّ من ثبت له العلم صح منه السماع .
الثالث : هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها إلى الروايات الصحيحة ، قال الحافظ ابن حجر : « ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه :« ما أنتم بأسمع لما أقول منهم » وأخرجه أحمد (40 ) بإسناد حسن ؛ فإن كان محفوظاً فكأنها رجعت عن الإنكار ، لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة ، لكونها لم تشهد القصة ».أهـ (41 )
وقال الإسماعيلي:« كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه ، لكن لا سبيل إلى رَدِّ رواية الثقة إلا بنصٍ مثله ، يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته ».أهـ (42 ) (43 )

الدليل الثاني :

عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ....»(44 ) ، وهذا الحديث فيه تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت في قبره يسمع قرع نعال من دفنوه إذا رجعوا، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ، وظاهره العموم في كل من دُفِنَ ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه تخصيصاً .(45 )
واعتُرِضَ : بأن ما ورد في هذا الحديث مخصوص بأول الدفن ، عند سؤال الملكين ، وهو غير دائم ، فلا يفيد عموم سماع الأموات في كل الأحوال والأوقات .(46 )
وأيضاً : فإن الروح تعاد للبدن عند المساءلة - كما ثبت بذلك الحديث (47 ) – لذا فإن سماع الميت قرع النعال، إنما هو بسبب اتصال الروح بالبدن ، وهذا الاتصال غير دائم ، بل هو مخصوص بوقت السؤال (48 )، وعليه فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث ، على عموم سماع الأموات في كل وقت وحين .

الدليل الثالث :

عن أبي هريرة رضي الله عنه :« أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ».(49 ) ، وهذا الحديث فيه مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل القبور بقولـه :« السلام عليكم » ، وقولـه :« وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » ، وهذا يدل دلالة واضحة على أنهم يسمعون سلامه ؛ لأنهم لو كانوا لا يسمعون سلامه وكلامه لكان خطابه لهم من جنس خطاب المعدوم ، ولا شك أن ذلك ليس من شأن العقلاء ، فمن البعيد جداً صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم .(50 )
واعتُرِضَ : بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم في تشهد الصلاة بقولهم :« السلام عليك أيها النبي ... » (51 ) وهم خلفه ، وقريباً منه ، وبعيداً عنه ، في مسجده ، وفي غير مسجده ، وكذا جمهور المسلمين اليوم ، وقبل اليوم ، الذين يخاطبونه بذلك ، أفيقال : إنه يسمعهم ، أو أنه من المحال السلام عليه ، وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ (52 )
واعتُرِضَ أيضاً : بأن السلام على القبور إنما هو عبادة ، والقصد منه تذكير النفس بحالة الموت ، وبحالة الموتى في حياتهم ، وليس القصد من السلام مخاطبتهم ، أو أنهم يسمعون ويجيبون .(53 )

الدليل الرابع :

ما جرى عليه عمل الناس - قديماً وإلى الآن - من تلقين الميت في قبره ، ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة ، وكان عبثاً ، فعن أبى أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره ، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلانة ، فإنه يسمعه ولا يجيب ، ثم يقول: يا فلان بن فلانة ، فإنه يستوي قاعداً ، ثم يقول: يا فلان بن فلانة ، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله ، ولكن لا تشعرون ، فليقل: أذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنك رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، وبالقرآن إماماً ، فإن منكراً ونكيراً ، يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ، ما نقعد عند من قد لُقِّنَ حُجَّته ، فيكون اللهُ حجيجَه دونهما ، فقال رجل : يا رسول الله ، فإن لم يعرف أمه؟ قال: فينسبه إلى حواء ، يا فلان بن حواء ».(54 ) قالوا : فهذا الحديث وإن لم يثبت إلا أن اتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار ، من غير إنكار، كافٍ في العمل به ، ولولا أن المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم ، وهذا وإن استحسنه واحد ، فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه ، قالوا : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :« اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ »(55 ) ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُسأل حينئذ ، وإذا كان يُسأل فإنه يسمع التلقين.(56 )
واعتُرِضَ : بأن حديث تلقين الميت لا يصح ، بل هو حديث متفق على ضعفه .(57 )

الدليل الخامس :

أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال - في وصيته عند موته -:« فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا (58 ) عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي »(59 ) ، وهذا يدل على أن الميت ترد عليه روحه ويسمع حس من هو على قبره وكلامهم ، وهذا الحديث إنما قاله عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن مثله لا يدرك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم .(60 )

الدليل السادس :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من رجل يمر على قبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ». (61 )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه :« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحدٍ مَرَّ على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له ، ثم قرأ هذه الآية : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الأحزاب:23] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فأتوهم وزروهم ، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه ».(62 )
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ».(63 )
وعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ، ورد عليه ، حتى يقوم ».(64 )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو رزين : يا رسول الله ، إن طريقي على الموتى، فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم ؟ قال: قل: السلام عليكم أهل القبور من المسلمين والمؤمنين ، أنتم لنا سلف ، ونحن لكم تبع ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . قال أبو رزين: يا رسول الله ، يسمعون؟ قال: يسمعون، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا . قال: يا رزين، ألا ترضى أن يرد عليك بعددهم من الملائكة ».(65 )
قالوا : فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضاً ، وهي تدل صراحة على أن الميت يشعر بزيارة الحي، ويرد عليه السلام .(66 )
واعتُرِضَ : بأن هذه الأحاديث كلها ضعيفة ، ولا يصح الاستدلال بها .(67 )

الدليل السابع :

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي ، حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ».(68 )
واعتُرِضَ : بأن الحديث ليس صريحاً في سماعه صلى الله عليه وسلم سلام من سلم عليه عند قبره .(69 )

الدليل الثامن :

كثرة المرائي التي تقتضي سماع الموتى ومعرفتهم لمن يزورهم ، وهذه المرائي وإن لم تصلح بمجردها لإثبات مثل ذلك ، فهي على كثرتها وأنها لا يحصيها إلا الله قد تواطأت على هذا المعنى ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ »(70 ) يعني ليلة القدر ، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء كان كتواطىء روايتهم له .(71 )

المذهب الثاني :
مذهب نفي سماع الأموات مطلقاً ، وتأويل الأحاديث التي فيها إثبات السماع .

حيث ذهب هؤلاء إلى إجراء الآيات التي فيها نفي السماع على ظاهرها وعمومها ، وقالوا : إن الميت لا يسمع شيئاً من كلام الأحياء ، ولا يشعر بهم .
واختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن الأحاديث التي فيها إثبات السماع على أقوال :

القول الأول :
أن ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم - من إسماع قتلى بدر – هو معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، فقد أحياهم الله له حتى سمعوا كلامه ، وهذا خاص به دون غيره من الناس .
وهذا رأي : قتادة ، والبيهقي (72 ) ، والمازري (73 )، وابن عطية ، وابن الجوزي (74 ) ، وابن قدامة (75 ) ، والسهيلي (76 ) ، وابن الهمام (77 ) ، والقاضي أبي يعلى (78 )، والألباني .
قال قتادة: « أحياهم الله حتى أسمعهم قوله ، توبيخاً وتصغيراً وَنَقِيمَةً وحسرة وندماً ».(79 )
وقال ابن عطية:« فيشبه أن قصة بدر هي خرق عادة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، في أن رد الله إليهم إدراكاً سمعوا به مقاله ، ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة ، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين منهم ».(80 )
وقال الألباني:« والتحقيق أن الأدلة من الكتاب والسنة على أن الموتى لا يسمعون ، وهذا هو الأصل ، فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال ، كما في حديث خفق النعال ، أو أن بعضهم سمع في وقت ما ، كما في حديث القليب ، فلا ينبغي أن يُجعل ذلك أصلاً ، فيقال إن الموتى يسمعون ؛ فإنها قضايا جزئية ، لا تُشَكِّل قاعدة كلية ، يُعارض بها الأصل المذكور ، بل الحق أنه يجب أن تستثنى منه ، على قاعدة استثناء الأقل من الأكثر ، أو الخاص من العام ».أهـ (81 )
أدلة هذا القول :
استدل أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بأدلة منها :
الدليل الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ » ولم يقل : « لما يُقال » ، فدل على أن سماعهم هذا ، هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس .(82 )
الدليل الثاني : أن الحديث رُوي بلفظ : « وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَسْمَعُونَ كَلَامِي »(83 ) ، حيث قيد النبي صلى الله عليه وسلم سماعهم له باللحظة التي ناجاهم فيها ، ومفهومه أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت ، وفيه تنبيه على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون ، ولكن أهل القليب في ذلك الوقت قد سمعوا نداء النبي صلى الله عليه وسلم ، وبإسماع الله تعالى إياهم ، خرقاً للعادة ، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم .(84 )
الدليل الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم على ما كان مستقراً في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون ، يدل على ذلك رواية :«.... فَسَمِعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُنَادِيهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ ؟ وَهَلْ يَسْمَعُونَ ؟ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا »(85 ) ، وقد صرح عمر رضي الله عنه أن الآية المذكورة هي العمدة في تلك المبادرة ، وأنهم فهموا من عمومها دخول أهل القليب فيه ، ولذلك أشكل عليهم الأمر ، فصارحوا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليزيل إشكالهم ، فبين لهم حقيقة الأمر ، وبهذا يتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة – وفي مقدمتهم عمر – على فهمهم للآية على ذلك الوجه العام الشامل لموتى القليب وغيرهم ؛ لأنه لم يُنكِرْه عليهم ، ولا قال لهم : أخطأتم ، فالآية لا تنفي مطلق سماع الموتى ، ولا أنه صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك ، ولكنه بين لهم ما كان خافياً عليهم من شأن القليب ، وأنهم سمعوا كلامه حقاً ، وأن ذلك أمر خاص مستثنى من الآية ، معجزة له صلى الله عليه وسلم .(86 )
واعتُرِضَ: بأن سماع الموتى قد ثبت في غير هذه القصة ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ....»(87 )، فقد أثبت في هذا الحديث سماع الموتى لقرع النعال ، فدل على عدم اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وأجيب : بأن ما ورد في هذا الحديث مخصوص بأول الدفن عند سؤال الملكين وهو غير دائم ، فلا يفيد عموم سماع الأموات في كل الأحوال والأوقات .(88 )

القول الثاني :
أن معنى الحديث إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن المشركين من قتلى بدر لما عاينوا العذاب بعد موتهم علموا أن ما كان يدعوهم إليه هو الحق ، وأن هذا هو مراده صلى الله عليه وسلم ، ولم يُرِدْ أنهم يسمعون كلامه وقت مخاطبته لهم .
وهذا مذهب عائشة رضي الله عنها ، حيث ذهبت إلى تخطئة ابن عمر في روايته للحديث ، وأنه لم يحفظه بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال :« ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ » فَقَالَتْ : وَهَلَ (89 ) ؛ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ ». قَالَتْ : وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ ، وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؛ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ :« إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ » ، إِنَّمَا قَالَ :« إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ » ، ثُمَّ قَرَأَتْ :{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } و { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ».(90 )

القول الثالث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك على جهة الموعظة للأحياء ، لا لإفهام الموتى.
ذكره ابن الهمام وجهاً آخر في الجواب عن الحديث.(91 )

أدلة القائلين بنفي سماع الأموات مطلقاً :

استدل القائلون بنفي سماع الأموات لكلام الأحياء بأدلة ، منها :

الدليل الأول :

أن في سياق آيتي النمل والروم ما يدل على أن الموتى لا يسمعون ، وبيان ذلك أن الله تعالى قال في تمام الآيتين: { وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } حيث شبه سبحانه موتى الأحياء من الكفار بالصم ، والصم لا يسمعون مطلقاً ، بلا خلاف ، وهذا يدل على أن المشبه بهم ، وهم الصم ، والموتى ، لهم حكم واحد ، وهو عدم السماع ، وفي التفسير المأثور ما يدل على هذا ، فعن قتادة قال – في تفسير الآية -:« هذا مثل ضربه الله للكافر ، فكما لا يسمع الميت الدعاء ، كذلك لا يسمع الكافر ، { وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء } يقول: لو أن أصم ولّى مدبراً ثم ناديته ، لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ، ولا ينتفع بما سمع »(92 ) .(93 )

الدليل الثاني :

أن عائشة ، وعمر ، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم ، فهموا الآيات على ظاهرها من نفي سماع الموتى مطلقاً ، وفهمهم حجة ، وهو دليل على أن الآيات صريحة في نفي سماع الأموات ، ومما يؤيد صحة فهمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك ، ولم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطأهم على فهمهم هذا . (94 )

الدليل الثالث :

قولـه تعالى : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:13-14] ، وهذه الآية صريحة في نفي السماع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى ، وهم موتى الأولياء والصالحين ، فدل على أن الموتى لا يسمعون مطلقاً .(95 )
واعتُرِضَ : بأن هذا التفسير مخالف لما عليه الأكثر من المفسرين ؛ لأنهم قالوا : إن المراد بالذين لا يسمعون في الآية : الأصنام ؛ لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع ، وإذا كان المنفي في الآية سماع الجمادات ، انتفى الاستدلال بها على نفي سماع الأموات .
وأجيب : بأن الآية قد اختُلِفَ في تفسيرها على القولين المذكورين ، والأصح أن المراد بالذين لا يسمعون هم الموتى من الأولياء والصالحين ، يدل على ذلك :
1- قولـه تعالى في تمام الآية السابقة : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } والأصنام لا تبعث ؛ لأنها جمادات غير مكلفة كما هو معلوم ، بخلاف العابدين والمعبودين ، فإنهم جميعاً محشورون ، كما قال تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } [الفرقان:17-18]
2- وقولـه تعالى : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } [نوح:23] ، ففي التفسير المأثور عن ابن عباس رضي الله عنه :« أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً ، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعْبَدْ ، حتى إذا هلك أولئك وَتَنَسَّخَ العلم عُبِدَتْ »(96 ) .(97 )

الدليل الرابع :

قول النبي صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ »(98 ) ، ووجه الاستدلال من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المُسَلِّمِين عليه ، إذ لو كان يسمعه بنفسه ، لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه ، وإذ الأمر كذلك فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام ، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيرُه من الموتى أولى وأحرى.(99 )

القول الرابع :
أن الأصل عدم سماع الأموات؛ لعموم وظاهر الآيات ، لكن يستثنى من ذلك ما صح به الدليل ولا يُتجاوزُ به إلى غيره ، ومما ورد به الدليل : سماع قتلى بدر من المشركين ، وسماع الميت لقرع النعال المشيعين له .
وهذا رأي : الشوكاني ، والآلوسي (100 )، وذكره أبو العباس القرطبي احتمالاً آخر في الجمع ، واختاره أبو عبد الله القرطبي(101 ) ،
قال أبو العباس القرطبي :« لو سلمنا أن الموتى في الآية على حقيقتهم ؛ فلا تعارض بينها وبين أن بعض الموتى يسمعون في وقتٍ ما ، أو في حالٍ ما ، فإن تخصيص العموم ممكن وصحيح إذا وجد المخصص ، وقد وجد هنا بدليل هذا الحديث (102 ) ».أهـ (103 )
وقال الشوكاني :« وظاهر نفي إسماع الموتى العموم ، فلا يُخَصُّ منه إلا ما ورد بدليل ، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى في قليب بدر ، وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا ».أهـ (104 )

المذهب الثالث:
التوقف .

وهذا مذهب ابن عبد البر ، حيث أورد الآيات والأحاديث ثم قال :« وهذه أمور لا يُستطاع على تكييفها ، وإنما فيها الاتباع والتسليم ».أهـ (105 )


المبحث الرابع :
الترجيح :

الذي يظهر – والله تعالى أعلم – أن الموتى لا يسمعون شيئاً من كلام الأحياء ، ولا يشعرون بهم ، وأن ذلك عام في كل الأحوال والأوقات ، كما دلت عليه الآيات ، ويستثنى من ذلك ما ثبت به الحديث الصحيح من أن الميت يسمع قرع نعال مشيعيه بعد انصرافهم من دفنه (106 ) ، وسبب سماعه في هذه الحال ، وفي هذا الوقت : أن الروح تعاد للبدن للمساءلة في القبر (107 ) ، فيكون للروح تعلق بالبدن يحصل به السماع ، إلا أن هذا التعلق غير مستمر ، وغير دائم ، وإنما هو في وقت المساءلة فقط .

يدل على هذا الاختيار:

الدليل الأول :

ما تقدم من الآيات في سورة النمل ، والروم ، وفاطر ، وهي صريحة في نفي سماع الأموات ، وقد تقدم بيان دلالتها على ذلك .

الدليل الثاني :

قولـه تعالى : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [الأنعام:36] ، حيث شبه سبحانه الكفار الأحياء بالموتى في عدم السماع ، فدل على أن المشبه به ، وهم الموتى لا يسمعون أيضاً . قال ابن جرير في تفسير الآية :« والموتى ، أي الكفار يبعثهم الله مع الموتى ، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتاً ، ولا يعقلون دعاء ، ولا يفقهون قولاً »(108 )

الدليل الثالث :

قولـه تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [النحل:20-21] ، حيث أخبر سبحانه بأن هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله أموات في قبورهم ، ولا يشعرون متى يبعثون ، والشعور هو الإدراك بالحواس (109 )، وإذا كان هؤلاء الأموات لا يشعرون متى يبعثون ، ثبت نفي الشعور عنهم ، وهذا يستلزم عدم إدراكهم مطلقاً ، ويلزم من عدم إدراكهم أن السماع منتفٍ في حقهم ؛ لأنه من جملة ما يُشعر به .

الدليل الرابع :

أن هذا القول فيه إعمال للآيات والأحاديث معاً ، بخلاف القول بإثبات السماع للأموات ؛ فإن القائلين به أولوا الآيات ونفوا دلالتها على السماع ، وقد تقدم بيان أن ما ذهبوا إليه ضعيف ، وأن الآيات صريحة في نفي السماع .

وأما الجواب عن الأحاديث ، التي تدل بظاهرها أن الموتى يسمعون ، فجوابه : أن هذه الأحاديث على أنواع :

النوع الأول :
أحاديث صحيحة ، إلا أنها متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهي : حديث القليب ، وحديث السلام عليه صلى الله عليه وسلم ، وهذه محمولة على أنها من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعجزاته .
النوع الثاني :
حديث صحيح ، إلا أنه لا يدل على عموم السماع في كل الأحوال والأوقات ، وهو حديث سماع الميت لقرع النعال ، وقد تقدم الجواب عنه .
النوع الثالث :
حديث صحيح ، إلا أنه لا يدل على السماع ، وهو حديث السلام على الموتى ، وقد تقدم أن السلام على الموتى لا يعني بالضرورة أنهم يسمعون .
النوع الرابع :
حديث صحيح ، إلا أنه موقوف ، وهو حديث عمرو بن العاص ، وليس فيه شيء مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم ، والقول بأن له حكم الرفع غير مسلم .
النوع الخامس :
أحاديث ضعيفة لا يصح الاستدلال بها ، وهي حديث تلقين الميت ، وحديث أبي هريرة ، وابن عباس ، وعائشة رضي الله عنهم .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mbarekmbarek.yoo7.com
 
التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نافذه على الأموات؛؛
» حكم سماع الأناشيد المصحوبة بالإيقاعات
» اذا اردت رؤية النبى فى المنام انتبه لكلام الشيخ محمد حسان
» هل تغيير الراديو من القرآن إلى الأخبار يعتبر إعراضاً عن سماع القرآن ؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محب أهل السنة :: القسم العام-
انتقل الى: