سلسله امراض الامة -تسويف التوبة-

تسويف التوبة

يقول الله نعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  التوبة ، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس توبوا إلى الله وإستغفروه فإنى أتوب إلى الله فى اليوم مائة مرة )
والتوبة حقيقة دين الأسلام والدين كله داخل فى مسمى التوبة الإسلام والإيمان والإحسان .

ما هى التوبة

التوبة هى الرجوع عن كل ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى كل ما يحبه الله عز وجل ظاهراً وباطناً فهى حقيقة دين الأسلام والدين كله داخل تحت مسمى التوبة الأسلام والإيمان والأحسان وهذه هى حقيقة التوبة لذا فالتائب حبيب الله يقول الله إن الله يحب التوابين ويحب المطّهرين  .
والكثير يتصور أن التوبة لأهل الذنوب والمعاصى فقط وأن أهل الطاعة والفضل أُسقط عنهم التوبة ، والحق أن أدلة القرأن قد تضافرت مع أدلة السنة مع إجماع الأمة على وجوب التوبة إلى الله على الدوام لأن العبد لا ينفك عن المعصية دوماً لله ظاهرةً كانت أم باطنة حيث أن المعاصى درجات وأقسام فغفلتك عن الله نوع من المعاصى قد لا تفطن إليه ؛ يقول الله تعالى ( وتوبو إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) والخطاب لأهل الإيمان لا لأهل الذنب لم يقل الله المذنبون أو العاصون أو المخطئون بل قال المؤمنون ويقول تعالى ( يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً .. ) ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) فيا ترى كم عدد الظالمين فى الأرض ممن أخروا التوبة وأجّلوها . يا من أخرت التوبة وقصّرت فى حق ربك ونبيك وإخوانك هيا الأن الأن حتى لا تكون من الظالمين هيا أطرح قلبك بين يدى الله بذل وإنكسار وتب إليه وإعترف إليه بضعفك ؛ أعترف إلى الله أنك لا تملك من أمرك شئ وتبرأ من حولك وطولك وقوتك ومن عقلك ومالك وكرسيك ومنصبك ومن عقاراتك وأطيانك وشركاتك تبرأ من كل هذا إلى الله عزوجل يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) فاطر، قم إلى الله عزوجل وقل:
لبست ثوب الرجا والناسُ قد رقدوا
وبت أشكوا إلى مولاى ما أجدُ
فقلتُ يا أملى فى كلِ نائبةٍ
ومن عليه لكشفِ الضرِ أعتمدُ
أشكوا إليك أموراً أنت تعلمها
مالى إلى حملها قوةٌ ولا جلدُ
وقد مددت يدى بالذلِ مبتهلاً
إليك يا خير من مُدت إليه يدُ
فلا تردها ياربِ خائبةٌ
فبحر جودك يروى كل من يردُ
ياربِ إن عظمت ذنوبى كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا مُحسنٌ فمن ذا الذى يدعوا ويرجو الآثمُ
مالى إليكَ وسيلةً إلا الرجا وكريمِ عفوك ثم أنى مسلمُ
بك أستجيرُ ومن يجيرُ سواكَ .. فأجر ضعيفاً يحتمى بحماك
إنى ضعيفٌ أستعينُ على قوى .. ذنبى ومعصيتى ببعض قواك
أذنبتُ ياربِ وقادتنى ذنوبٌ .. مالها من غافرٍ إلاك
دنياى غرّتنى وعفوك شدّنى .. ما حيلتى فى هذه أو ذاك
لو أن قلبى شك لم يكُ مؤمناً .. بكريم عفوك ما غوى وعصاك
رباه هأنذا خُلِّصتُ من الهوى .. وأستقبل القلب الخلىُّ هُداكَ
رباه قلبٌ تائبٌ ناداك أترده وترد صادق توبتى..  حاشاكَ ترفضُ تائباً حاشاكَ
فليرضَ عنى الناسُ أو فليسخطوا .. أنا لم أعد أسعى إلا لغير رضاكَ
هيا يا عبد الله ، إلى من يلجأ الخائفون ؟ وعليه يتوكل المتوكلون ؟ ولعظيم فضله تُبسط الأيدى ويسأل السائلون ؟ هيا إلى الكريم إلى الحىِّ الذى يستحى إذا رفع الرجل يده أن يردهما صفرأ خائبتين ، ما عليك سوى أن تقلع عن الذنب وأن تندم عليه وأن تعاهد ربك على عمل الصالحات وإن ضعفت نفسك فجدد التوبة والأوبة إلى من يقبل التوبة عن عبادة وأعلم أن باب التوبة مفتوح ما دام العبد لم يغرغر .
وفى الصحيحين عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( ما من ليلة تمر إلا ويتنزل الله فى السماء الدنيا تنزلاً يليق بجماله وجلاله ويقول سبحانه أنا الملك أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له من ذا الذى يسألنى فأعطيه من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يُضئ الفجر )  وفى الصحيحين أيضاً من حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ( أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه حيث ذكرنى فإذ ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملء ذكرته فى ملء خيرٌ منهم وإن تقربى إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربتُ إليه باعا وإن أتانى يمشى أتينه هرولة )
فيا نادماً على ذنوبك أين أثر ندمك ، أين بكائك على زلةِ قدمك ؟ يا أسير المعاصى أما تخشى من الهاوية ؟ ويا أسير الخطايا أين الدموع الجارية ؟ أين أوبتك ؟ أين توبتك ؟ فالله ينادى عليك أين أنت ؟ والموت لا يفرق بين صغير وكبير وغنى وفقير وقوى وضعيف وصحيح ومريض فهيا عد إلى الله وفى الحديث الذى رواه الترمذى وإبن حبّان وغيرهما عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( كل إبن أدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون ) ، وفى الصحيحين عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى  ( يقول الله أذنب عبدى ذنباً فقال العبد اللهم أغفر لى ذنبى فقال الله جل جلاله أذنبى عبدى ذنباً فعلم أن له رب يغفر بالذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب فقال العبد أى ربى أغفر لى ذنبى فقال الله أذنبى عبدى ذنباً فعلم أن له رب يغفر بالذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب فقال الله أذنب عبدى ذنباً فعلم أن له رب يغفر بالذنب ويأخذ بالذنب فليفعل عبدى ما شاء فلقد غفرت له ) ما دام العبد لا يعود إلى المعصية عن قصد وإنما تخونه نفسه الضعيفة فرحمة الله واسعة أما إذا كان يقصد ويتعمد الذنب ثم يتصنع الإستغفار فهو كالمستهزأ بالله ، وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فأنفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع فى ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ به يرى راحلته قائمة عند رأسه عليها طعامه وشرابه فقال اللهم أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( يدنى المؤمن ربه يوم القيامة حتى يضع رب العزة عليه كنفه – الكنف هو الستر والرحمة – ويقرره بذنوبه فيقول الرب جل وعلا للعبد المؤمن عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول العبد المؤمن رب أعرف رب أعرف فيقول الملك ولكنى سترتها عليك فى الدنيا وأغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته )وفى الصحيحين أيضاً عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعا وتسعين جزء وأنزل إلى الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ) وفى الصحيحين عن أبى هريرة رأى النبى صلى الله عليه وسلم أمرأة فى السبى تبحث عن ولدها وكلما وجدت ولداً ألصقته ببطنها فأرضعته فقال النبى صلى الله عليه وسلم أترون هذه الأم طارحةً ولدها فى النار؟ لله أرحم بعبادة من الأم بولدها ) وقال أحد الصالحين اللهم إنك تعلم أن أمى هى أرحم الناس بى وأنا أعلم أنك أرحمُ بى من أمى وأمى لا ترضى لى الهلاك والعذاب أفترضاه لى وأنت أرحم الراحمين . وفى صحيح مسلم عن  أبى هريرة قال النبى صلى الله عليه وسلم ( والذى نفسى بيده لو لم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم )
وإياك أن تتصور أن هذه الأحاديث تفتح لنا باب الجرأة على الله بل تفتح لنا باب الرجاء والأمل فى الله ولتعلم أن باب التوبة مفتوح ما لم تبلغ الروح الحلقوم ومالم تطلع الشمس من مغربها .
ثم أعلم أن الفضائل فى الدنيا والأخرة مردها إلى التوبة
التوبة تجعلك حبيب الله ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) وأه لو أحبك الله ففى البخارى وغيره عن أبى هريرة قال النبى صلى الله عليه وسلم ( يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى بشئ أحبُ إلى مما أفترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن إستعاذنى لأعيذنه ) وفى الصحيحين عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل : يا جبريل إنى أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى جبريل فى أهل السماء : يا أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم ينادى جبريل فى الأرض : يا أهل الأرض إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل الأرض فيكتب له القبول فى الأرض ، وإذ أبغض الله عبدا ينادى : يا جبريل إن الله يبغض فلاناً فأبغضه فيبعضه جبريل وينادى جبريل فى أهل السماء : يا أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل السماء وينادى فى الأرض يا أهل الأرض إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل الأرض فتوضع له البغضاء فى الأرض )
التوبة تجعل الدنيا تأتيك : المال ، الأولاد ، الزوجة الصالحة ، سعة الارزق ، الأخرة يقول تعالى فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح ،  والله ستأتى الدنيا تحت قدميك إن تبت إلى الله ، فمن كانت الأخرة همه جعل الله غناه فى قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله ولم ياته من الدنيا إلا ما قُدٍّر له .

التوبة سبب تحصيل العلم

يقول مالك للشافعى إنى أرى الله ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بنور المعصية ) فأعلم أن الله لن ينير قلبك ويطهره إلا بالتوبه ولن تتعلم أو تتعبد إلا بالتوبه ولن تترك الحرام إلا بالتوبة ولن تبتعد عن مجالس الفسق إلا بالتوبة والموفّق من وفقه الله والمخذول من خذله الله والطائع من أسعده الله ؛ فأهل الطاعة عزوا عليه فقربهم وأهل المعصية هانوا عليه فأبعدهم ، وأسمع لقول إبن مسعود ( إنى أحسب الرجل ينسى العلم يعلمه بالذنب يعمله )
رايت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخيرٌ لنفسك عصيانها
التوبة إذن لنور القلب ومحو أثر الذنب وهى تجب من قبلها ( إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا ... ) وأعلم أن الله لن يحاسبك على ذنب ، مرتين روى أحمد والترمذى بسند صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم ( إذا أذنب العبد ذنباً نكتت فى قلبه نكته سوداء فإذا تاب ونزع وأستغفر ثُقل قلبه – أى تطهر – فإذا عاد وزاد – أى من المعصية – زادت فذالك الران الذى قال الله فيه : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )
التوبة سبب لحلاوة العيش فى الدنيا يقول عزوجل وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)  التوبة
وبعد اللهم تب علينا لنتوب إليك ، الله أغفر لنا الذنوب التى تهتك العصم وأغفر لنا الذنوب التى تنزل النقم وأغفر لنا الذنوب التى تحبس الدعاء وأغفر لنا الذنوب التى تقطع الرجاء وأغفر لنا الذنوب التى تنزل البلاء يا من ذكره شفاء وطاعته غناء ، والله المستعان ؛

عقبات التوبة

العقبة الأولى : الشيطان  

وقال الشيطان لما قضى الأمر ، فالشيطان يجلس لك فى كل طريق من طرق الطاعة.
ويطرد بالإستعاذة بصدق من الله وسورة البقرة والمعوذتين ومعية الله.

العقبة الثانية : النفس الأمارة بالسوء

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف ، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس ، ويجب تزكية النفس حتى ترتقى إلى النفس اللوامة ثم إلى النفس المطمئنة .

العقبة الثالثة الهوى

قال تعالى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)  ص ، والهوى يُعالج بتحقيق الأخلاص ونور العلم ثم السير على درب الحبيب وخطاه .

العقبة : الرابعة الدنيا

وأعلم أن الدنيا ليست دار وإنما هى دار ممر مقر وأن الأخرة هى دار المقر فخذ من ممرك لمقرك .

العقبة الخامسة : صحبة السوء

ومثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فأحرص على صحبة الأخيار فلا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقيا .

شروط التوبة

الشرط الأول : الأقلاع
الشرط الثانى : الندم على الذنب  والعزم على عدم الرجوع
الشرط الثالث : الأكثار من عمل الصالحات
الشرط الرابع : أن تكون التوبة خالصة لله
الشرط الخامس : لا تكون على فراش الموت أو وقت طلوع الشمس من مغربها يوم لا ينفع ندم وقد وقع العتاب
الشرط السادس : أن ترد المظالم إلى أهلها