الأول "الجماع: وهو أعظم المفطرات وأشدها، وفيه الكفارة المغلظة إذا حصل في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، وهي: عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيهما يوم واحد إلا من عذر فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً"(4)، والمرأة مثله إذا كانت مطاوعة ولم تمتنع، أما إذا امتنعت فأكرهها وهي لا تستطيع المدافعة فإنه لا شيء عليها، ليس عليها قضاء ولا كفارة.
إننا نقول: إذا حصل الجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم ففيه الكفارة، أما من لا يجب عليه الصوم كما لو جامع الإنسان زوجته وهو مسافر صائم أنه لا كفارة عليه؛ لأن المسافر الصائم يجوز له أن يفطر في الأكل والشرب.
والجماع الثاني من المفطرات "إنزال المني بشهوة بتقبيل، أو لمس، أو ضم، أو استمناء أو غير ذلك"(5)، فأما إنزال المني بالاحتلام فإنه لا يفطر؛ لأنه من نائم، والنائم لا اختيار له.
الثالث "الأكل والشرب"(6): وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى جوفه، سواء كان الطعام أو الشراب حلالاً أم حراماً، فالحلال: كالخبز مثلاً والماء، والحرام: كالدخان، فإنه مفطر، وسواء كان الأكل نافع أم غير نافع، وسواء كان عن طريق الفم أم عن طريق الأنف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بالغ في الاستنشاق - يعني: حال الوضوء - إلا أن تكون صائماً"(7)، فدل هذا على أن الداخل من الأنف كالداخل من الفم، فأما شم الروائح فلا يفطر؛ لأنه ليس للرائحة جرم يصل إلى الجوف، وأما استنشاق البخور فلا يستنشقه الصائم؛ لأن البخور دخان له أجزاء تتطاير إلى جوفه إذا استنشقه، أما الروائح التي ليس لها أجزاء فإنه لا بأس أن يستنشقها.
الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب: مثل: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الطعام والشراب؛ لأنها بمعنى الطعام والشراب، فأما الإبر غير المغذية فإنها لا تفطر، سواء أخذها للتداوي أم لتنشيط الجسم، وسواء أخذها مع العرق أم مع العضلات؛ لأنها ليست بمعنى الأكل والشرب، والأصل بقاء الصيام حتى يثبت ما يفسده بنص، أو إجماع، أو قياس صحيح، ولا حرج عليه إذا وجد طعم الإبرة في حلقه؛ لأن ذلك لا يكون أكلاً ولا شرباً.
الخامس: إخراج الدم بالحجامة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم"(، فأما أخذ الدم من البدن للتحليل فإنه لا يفطر؛ لأنه يسير، لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة، ولا يفطر خروج الدم بالرعاف ولو كثر؛ لأنه بغير اختياره، ومثل ذلك: لو خرج الدم من جرح سكين، أو زجاجة، أو حادث، ولو كان كثيراً فإنه لا يفطر؛ لأنه بغير اختياره، ولا يفطر خروج الدم من قلع السن أو الضرس، لكن لا يبلع الدم؛ لأن بلع الدم حرام على الصائم وغيره، فإن وصل شيء من الدم إلى جوفه بغير اختياره فلا حرج عليه، ولا يفطر بشق الجرح لإخراج المادة منه ولو خرج الدم معها؛ لأن ذلك يسير لا أثر له، فأما سحب الدم من شخص ليحقن في شخص آخر فإن كان كثيراً، أي: إن كان الدم المسحوب كثيراً فإنه يفطر؛ لأنه يؤثر على البدن كما تؤثر الحجامة، وعلى هذا فلا يحل لمن صومه واجب أن يمكن من سحب الدم الكثير منه، إلا أن يكون لشخص مضطر لا يمكن صبره إلى الغروب، فإنه حينئذٍ يجوز أن يمكن من سحب الدم منه لهذا المضطر؛ لأن دفع ضرورة المعصوم واجب، وفي هذه الحال يفطر، ويأكل، ويشرب بقية يومه، ويقضي يوماً مكانه؛ لأن الإنسان إذا أفطر بسبب مباح فله أن يأكل بقية يومه، ولا حرج عليه. السادس القيء: وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب، فإن خرج القيء بنفسه بلا تعمد فلا حرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء - أي: غلبه - فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض"(9)، وهذه المفطرات الستة لا تفطر الصائم إلا إذا فعلها عالماً، ذاكراً، مختاراً، فإن فعلها جاهلاً لم يفطر، سواء كان جاهلاً بالحكم أم جاهلاً بالوقت، فمن أكل مثلاً يظن أن الفجر لم يطلع وتبين له أنه قد طلع، أو أكل يظن أن الشمس قد غربت وتبين له أنها لم تغرب، فإن صومه صحيح، ولا قضاء عليه؛ لقول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة:286] ولقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب:5] وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: "أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس"(10)، ولم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالقضاء، فلو كان القضاء واجباً لأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أمرهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - لنقل إلى الأمة؛ لأنه من الشرع الذي تكفل الله ببيانه، وأوجب على رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبليغه، لكن متى علم أنه في نهار وجب عليه أن يمسك، فإن استمر بعد علمه بطل صومه، ومن أتى شيئاً من المفطرات ناسياً فصومه تام، ولا قضاء عليه للآية التي ذكرناها وهي قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة:286]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"(11)، لكن متى ذَكَرَ أو ذُكِّرَ وجب عليه أن يمسك حتى الذي في فمه يجب أن يلفظه، فإن بلعه بعد أن ذكره بطل صومه، ومن رأى صائماً يأكل أو يشرب ناسياً فليذكره فإنه من التعاون على البر والتقوى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نسيت فذكروني"(12)، فكل من نسي شيئاً واجب عليه أو نسي ففعل شيئاً محرماً عليه وعلم بذلك أخوه فإنه ينبهه على ذلك، ومن حصل عليه شيء من المفطرات بغير اختياره فصومه صحيح، فلو طار إلى جوفه غبار أو تسرب إليه ماء من المضمضة، أو الاستنشاق، أو جذب الماء بسبب مباح فوصل إلى جوفه شيء منه بغير اختياره فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.
النوع السابع من المفطرات خروج دم الحيض والنفاس: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"(13)، "فمتى خرج من المرأة الحيض أو النفاس قبل الغروب ولو بلحظة بطل صومها، فإن خرج بعد الغروب ولو بلحظة فصومها صحيح، ولا قضاء عليها، وهنا أقف لأنبه على مسألة شائعة بين النساء: يظن بعض النساء أن المرأة إذا حاضت بعد غروب الشمس وقبل أن تصلي المغرب فإن صومها ذلك اليوم يفسد، ولكن هذا ليس بصحيح، العبرة بخروج دم الحيض قبل الغروب، فإذا خرج قبل الغروب بطل صومها، وإذا خرج بعد الغروب ولو بلحظة واحدة فإن صومها صحيح، ولا قضاء عليها"(م1)
أرجو منكم أن تنبهوا النساء على ذلك،
"ويجوز للصائم أن يكتحل بأي كحل شاء"(ث)، "ويجوز أن يقطر دواء في عينه أو أذنه، ولا يفطر بذلك، ولو وجد طعمه في حلقه، ويجوز للصائم أن يداوي جروحه، وأن يتطيب بالبخور وغيره، لكن لا يستنشق دخان البخور فيصل إلى جوفه"(م2)، ويجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه مشقة الحر والعطش كالتبرد بالماء، وبل الثوب ونحوه، فقد روى مالك عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصب الماء على رأسه من العطش، أو من الحر - يعني: وهو صائم -"(14)، "وبل ابن عمر - رضي الله عنهما - ثوبه وألقاه على بدنه، ويجوز للصائم أن يتمضمض إذا نشف فمه، وأن يستاك في أول النهار وآخره"(15)، "بل السواك سنة في حق الصائم وغيره"(16)، "متأكد عند الوضوء، والصلاة، والقيام من النوم"(17)، "ودخول البيت أول ما يدخل"(18).